يخطئ كثيراً من يعتقد بأن مشكلة بعض كتاب صحفنا هي مع الإسلاميين أو المتدينين أو جيل الصحوة كما يسمى , وقد يجهل الكثير أيضاً أن الخطة الوحيدة لهولاء الكتاب والتي حققت أهدافها بالفعل هي السير عكس التيار فقط , ولا يضيرهم عند ذلك ماهية هذه ألأفكار التي يتبنونها, أو يدعون إليها , لأنهم وبمجرد ذلك ستتبعهم النظرات الانبهارية التي ستسلط عليهم الأضواء فيحصلون على حفاوة مدير الجريدة والرضا من ظهرها , وباختصار فأياً كان مضمون تلك الأفكار الشاذة فإنها ستوصلهم إلى الشهرة .
ولذا فإن أبرز السمات التي أصلها ملاك الصحف ورجالات الإعلام للمثقف الواعي والكاتب الألمعي هي أن ينال بقدر المستطاع من المبادئ والأواصر الاجتماعية ,التي تتقاطع كثيراً مع الأحكام والمبادئ الشرعية , حيثُ يشكل المساس بها حساسية مفرطة لغالب شرائح المجتمع , لا تلبث هذه الحساسية أن تتحول عند الكثير من السذج إلى انبهار يزداد تأججاً مع مرور الزمن بسبب غياب الحكمة الدعوية لدى بعض الدعاة والجهل بالأولويات وانفلات الفتوى , ليتحول إلى تأييدٍ أعمى .
وبسبب تلك القواعد الغير معلنة يبقى الكاتب متربعاً على عرش زاويته الدورية مادام يحوز على رضا سعادة الوراق ومعالي الشهبندر .
وفي اللحظة التي غفا فيها ذلك الكاتب "الناضج" مستسلماً لنعاس غروره , ظناً منه أنه أصبح ظاهرة بحد ذاته , فيصحو بعد غفوته ليجد نفسه ملقىً على قارعة الطريق لا يلوي على شيءٍ , فيطرق باب كل صحيفة ويقرع باب كل قناة, وعندما يتراءى له شبح التشرد فيعود مطرقاً مراجعاً حساباته , فيقفز متعلقاً بعروة الباب يطرقه معلناً أنه الآن أصبح أكثر "نضجاً" من ذي قبل وأكثر تأدباً من ذي قبل مع سيادته ومع معاليه , ليعود راضياً وبطيبة نفسٍ مرغمةٍ !! , نعجةً وسط القطيع , بعد أن كان كبش الحظيرة ورئيس تحريرها المبجل .
ومن اليقين الذي لا يقبل الشك أنه وبالقدر الذي أصبح فيه هذا الكاتب أكثر نضجاً - كما صرح - فقد أصبح رئيس الحظيرة "الجديد" أكثر نباهة وحذراً وخلواً من الواجبات الأخلاقية المُعَقَّدة والمُعَقِدة مهنياً واجتماعياً , وكذلك القطيع ! , لا سيما وهم يمرون يومياً على قارعة الطريق , فلا يزيدهم ذلك إلا عبرةً وعضةً ومعاكسةً للتيار ومحاربةً للمبادئ , ومجاراتهم لكل شاذةٍ ونادَّةٍ من الأفكار.
كما أن إضافة النكهة الوطنية لتلك الأفكار الشاذة , لم يكن ليجعلها مستساغةً الطعم أو سهلة البلع لدى العربي المسلم الذي يملك الحس الوطني , وكل مدعٍ ممن نسمعه يردد تلك الأفكار , أو يزعم أنه يؤيدها فإنما هو يلوكها بفمه لوك المستقرِفِ منها,ولا يجرؤ على بلعها في يومٍ من الأيام إلا حين يتجرد عن كثير من مبادئه الاجتماعية والأخلاقية والدينية .
إن ذلك العداء السافر مع سبق الإصرار والترصد لم يكن فقط ضد الإسلاميين والدعاة كما أسلفنا, أو مع من يحرِّمون قيادة المرأة للسيارة , أو مع من يحرسون حرمات المواطنين كلا وبكل تأكيد , بل إن خصومتهم اللدودة قد شملت كل ثابتٍ من ثوابت المجتمع , حتى أنك تكادُ تجزم بأن بعض مبادئ الغرب تعتبر أشد ثباتاً عند شعوبها مما يرمي إليه هؤلاء في مجتمعاتهم .
ثم أنهم وبحق يملكون من الشجاعة والجراءة القدر الكافي لنقض جميع أخلاقيات المجتمع وثوابته بدون استثناء , ولا غرابة , فقد سلمناهم أقلامنا لعقود من الزمن
رغم افتقار أحدهم لحس الشعور الديني والاجتماعي , فضلاً عن الانتماء العربي وإن امتلك لسانه , صينيّاً كان أو تركياً أو تايلندياً , أو فرخاً من فروخ الاستعمار , أو رضيعاً للغرب لم ينضج بعد.
و كلما تجرد هولاء الكتاب أو رؤساء تحريرهم "الناضجين" من مبادئهم كلما ضمنوا فترة بقاء أكثر وتربعاً أطول فوق عروشهم أو نعوشهم بالأصح التي خاطوها من غزل كرامتهم المنقوض .
ولإن عُدَّ رجوع الرضيع إلى حضن مرضعته نضوجاً , فلقد نضج رئيس الحظيرة الجديد ..أجل .. لأنه لم يكن بحاجة لأن يُرمى مرةً أخرى على قارعة الطريق ليعلن توبته النصوح , ويكفيه العبرة التي تعلمها من كاتبنا "الناضج"!!.
وعندما أعلن الكاتب "الناضج" عن نضجه هل تراه كان ناسياً أو متناسياً بأن ثمار الدِّمن وإن نضجت إلا أنها لا يمكن أن تؤكل .
أحمد العواجي