رؤى صبري
ثقافة التعميم Culture Circularوالحكم مسبقا على الأمور والبشر أمر سائد في المجتمعات العربية إلى درجة الهيمنة والسيطرة ، حيث نجد الأغلبية منا تأخذ الأمور بالجملة دون الالتفات إلى التفاصيل والأسباب والمسببات والمبررات الأخلاقية وغيرها من المعطيات التي تكون غائبة عن الجميع إلا على أولئك الموهوبين في التعميم حينما يسارعون إلى التحليل والتصنيف والفرز للحدث وللأفراد سعيا وراء إصدار أحكامهم سريعة الطلقات نحو الآخرين والفوز بالسبق المعرفي حسب ثقافتهم الدونية ،غير عابئين بما قد تسببه تلك الأحكام غير السوية من آثار سلبية عليهم وعلى المعنيين بها وعلى المجتمع بكل شرائحه وأطره.
فهم لايدركون أن ثقافة التعميم قاتلة للفكر والطموح ومدعاة للتقوقع والجمود ومن الأسباب الرئيسية في تأخر المجتمعات وعرقلتها في التقدم والنهوض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، لأن التعميم يضع المحتويات كلها في سلة واحدة مما يعني فساد كل محتوياتها ، وابسط مثل على أضرار ثقافة التعميم هم عشرات الآلاف من العرب المبدعين في شتى المجالات الذين يهاجرون إلى الدول الغربية سنويا لإثبات ذواتهم وتفجير طاقاتهم وصقل مواهبهم و إبداعاتهم وإبراز قدراتهم ، وكل ذلك بسب هذه الثقافة التي أكدت ضرورة مرور كل الخريجين مهما كانت تخصصاتهم ومواهبهم وقدراتهم متفاوتة أن يمروا على فلتر القوى العاملة التي تعينهم في أي 60 داهية لأنهم جميعا أبناء الشعب والكل سواسية أمام التعميم ، وجهابذته بحيث تكاد تتحول تلك الثقافة إلى قدر يتحكم في مصير البشر.
وإذا أمعنا النظر في ثقافة التعميم سنجدها قد حكمت على آلاف من ذوي البشرة السوداء والغرباء منهم بالذات أن يموتوا إما سُرّاق أو بائعي مخدرات أو تتعفن جلودهم خلف القضبان أو أصحاب مهن وضيعة لأنه جرى التعميم والحكم عليهم من الجميع بسبب لون بشرتهم وليس بسبب أفعالهم حيث نجدهم أول من تتجه إليه الأنظار عند حدوث الجرائم والسرقات .
وهي أيضا من فرضت كلمة كل وأزالت كلمة البعض بالرغم من أن العكس هو الصحيح فمن المفترض أن لا تؤخذ الأمور بظواهرها وأن لا نصدر أحكاما مسبقة لا ندري صحتها من خطئها أو إن كان الحكم الصادر فيها عادلاً أم لا فأين من يحكم بذلك أو يقول به من " فلا تزر وازرة وزر أخرى" .
والأسوأ ما في الأمر أن ثقافة التعميم تلقن وتحفظ عن ظهر قلب وأكاد أجزم أن لها كتب ومراجع بالرغم من أن القليلين الذين تخلوا عن تلك الثقافة هم من ربحوا لأنهم جربوا وعرفوا وخاضوا التجربة بأنفسهم وماكان لغيرهم شر كان لهم خير عظيم.
ويبقى التأكيد على أن ثقافة التعميم في حياتنا هي السبب في كل تفرقة تقوم على غير أساس وبلا مبدأ ابتكرتها طائفة من البشر لتصفي بها حساباتها مع بشر آخرين ، فكبرت الحكاية ككرت الثلج ، إذ لم تزل إلى اليوم تكبر وتكبر رغما عن انف المدارس والجامعات والمراكز الثقافية التي لم تستطع أن تغيير من واقعنا الثقافي والعلمي أو تساهم في اجتثاث ولو جزء بسيط من هذه الثقافة المدمرة لأسس الثقة بين أبناء الأمة الواحدة .
كاتبة سعودية


(
(
