إذا كانت السياسة فن الممكن فان الإدارة فن بل عالم من الإبداع الذي يتلخص في المهارات المتعددة التي تجعل من المدير قائداً يدخل التاريخ من أوسع أبوابه أو جلاداً تلحق به اللعنات إلى قبره ولا تتوقف إلا بموت آخر موظف اكتوى بناره ، وقد لايدرك اغلب المدراء أن أسلوب القمع الشهير لا يستخدمه إلا الدكتاتوريين منهم الذين يعتقدون أن هذا الأسلوب هو الأفضل لجعل الموظفين يسيرون على الطريق المستقيم وأفضل وسيلة لتطبيق النظم والقوانين.
ولكن ينسى المدير من هذا النوع أنه لن يكون متواجدا طيلة اليوم في مكتبه وكذلك لن يحيط بكل التفاصيل الدقيقة داخل إدارته خصوصا إذا كانت المنظمة تعمل طيلة 12 ساعة وأكثر هذا بالإضافة إلى إجازة نهاية الأسبوع وإلى عطلة المدير السنوية التي قد تمتد إلى أكثر من شهر فحينها يقيم الموظفون حفلا بمناسبة سفره ولا يدعون له برحلة سعيدة أو بعود حميد ، بل يسارعون إلى ارتكاب كل محظور حتى لو كان شيئا بسيطا المهم انه وسيلة للتنفس من الكبت الناتج عن أسلوب القمع الممارس ضدهم طيلة أشهر السنة.
إذا ماسبق يحتم على المدير في أي قطاع كان خاص أو حكومي أن يأخذ من السياسة تعريفها الكلاسيكي المعروف (أي فن الممكن ) ليدير به إدارته لان السياسة في العمل الإداري أفضل طريقة لضمان استمرار الجودة في الأداء، ولابد له من النقاش والحوار مع الموظفين في القوانين التي لا يطبقونها والأسباب التي أدت لذلك ومعرفة جذور وأصل عدم الاقتناع بما يصدر إليهم من تعليمات وتعميمات أفضل بكثير من المراقبة والتدقيق وفرض الأوامر عليهم فرضاً فعندما يقنع المدير موظفيه بأسباب تطبيق نظام معين يولد القناعة أيضا لدى الموظف ويصبح التطبيق ناتج عن قناعة ذاتية وحرص داخلي لأنه كبشر يحتاج إلى أن يفهم لكي يطبق وليس العكس.
أيضا هناك بعض القوانين التي يمكن سنها لتزيد المرونة في التعامل من خلالها مثل الزى الرسمي مثلا ففي بعض المنظمات لا يشكل الزي فيها فرقا خصوصا المنظمات غير الرسمية فلو ارتدى الموظف ما يناسبه سوف يعمل بأداء أفضل وسوف يشعر بحرية أكبر وأذكر ذات مرة قرأت فيها أن أحد مدراء مستشفى للأطفال كان يرتدي زي ميكي ماوس طيلة فترة تواجده بالمستشفى حتى يبهج الأطفال وكان ذلك شيء نابع من داخله وأفضل درس لكل الموظفين.
في هذه الحالة يتوجب على المدير أن لا يتعامل مع الموظفين بتسلط وفرض الإرادة والقهر فحتى مع وجود الراتب تبقى الراحة النفسية أمرا لا يشترى بالمال وما فائدة المال مع حرق الأعصاب اليومي والتعامل بسياسة المعتقل؟؟؟
ففي النهاية الحوار أفضل وسيلة للتعامل مع الموظف ولتطبيق نظم الإدارة الحديثة في المنظمة كما وردت والمدير المحنك هو الذي يعرف كيف يتعامل مع كل نظام وأين ومتى عليه أن يتساهل ويغض بصره ومتى عليه أن يجمع بين اللين والشدة.
* كاتبة سعودية

(
(
